فصل: المسألة الثانية: قوله: {يَلْمِزُكَ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}
إن المماذِق في الخُلَّة ينسلُّ عن سِلْكِها بأضعف خلَّة، وإنْ وَجَدَ مهربًا آوَى إليه، ويأمل أن ينال فرصةً ما يتعللُ بها عند ذلك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (58):

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قرر حال من يتخلف عن الجهاد، وربما بذل ماله فيه افتداء لسفره، شرع في ذكر من يشاركه في الإنفاق والنفاق ويخالفه فقال: {ومنهم من يلمزك} أي يعيبك عند مشاكليه على طريق الملازمة في ستر وخفاء أو تظاهر وقلة حياء {في الصدقات} أي اللاتي تؤتيها لأتباعك، ولما أخبر عن اللمز، أخبر أنه لحظ نفسه لا للدين فقال: {فإن أعطوا منها رضوا} أي عنك {وإن لم يعطوا منها} فاجؤوا السخط الذي يتجدد في كل لحظة ولم يتخلفوا عنه أصلًا، وعبر عن ذلك بقوله: {إذا هم يسخطون} فوافقوا الأولين في جعل الدنيا همهم، وخالفوهم في أن أولئك أنفقوا ليتمتعوا بالتخلف وهؤلاء طلبوا ليتنعموا بنفس المال الذي يأخذونه؛ قيل: إنها نزلت في ذي الخويصرة لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم غنائم حنين: اعدل يا محمد! فإني لم أرك تعدل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟» وسيأتي حديثه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
اعلم أن المقصود من هذا شرح نوع آخر من قبائحهم وفضائحهم، وهو طعنهم في الرسول بسبب أخذ الصدقات من الأغنياء ويقولون: إنه يؤثر بها من يشاء من أقاربه وأهل مودته وينسبونه إلى أنه لا يراعي العدل، وفي الآية مسائل:

.المسألة الأولى: [فيمن لزم النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات]:

قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم مالًا إذ جاءه المقداد بن ذي الخويصرة التميمي، وهو حرقوص بن زهير، أصل الخوارج فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: «ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل» فنزلت هذه الآية.
قال الكلبي: قال رجل من المنافقين يقال له أبو الجواظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تزعم أن الله أمرك أن تضع الصدقات في الفقراء والمساكين ولم تضعها في رعاء الشاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أبا لك أما كان موسى راعيًا أما كان داود راعيًا» فلما ذهب، قال عليه الصلاة والسلام: «احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون» وروى أبو بكر الأصم رضي الله عنه في تفسيره: أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: «ما علمك بفلان» فقال: ما لي به علم إلا إنك تدنيه في المجلس وتجزل له العطاء، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنه منافق أداري عن نفاقه وأخاف أن يفسد على غيره» فقال: لو أعطيت فلانًا بعض ما تعطيه، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنه مؤمن أكله إلى إيمانه، وأما هذا فمنافق أداريه خوف إفساده».

.المسألة الثانية: قوله: {يَلْمِزُكَ}:

قال الليث: اللمز كالهمز في الوجه.
يقال: رجل لمزة يعيبك في وجهك، ورجل همزة يعيبك بالغيب.
وقال الزجاج: يقال لمزت الرجل ألمزه بالكسر، وألمزه بضم الميم إذا عيبته، وكذلك همزته أهمزه همزًا.
إذا عيبته، والهمزة اللمزة: الذي يغتاب الناس ويعيبهم، وهذا يدل على أن الزجاج لم يفرق بين الهمز واللمز.
قال الأزهري: وأصل الهمز واللمز الدفع.
يقال: همزته ولمزته إذا دفعته، وفرق أبو بكر الأصم بينهما، فقال: اللمز أن يشير إلى صاحبه بعيب جليسه، والهمز أن يكسر عينه على جليسه إلى صاحبه.
إذا عرفت هذا فنقول: قال ابن عباس: يلمزك يغتابك.
وقال قتادة: يطعن عليك.
وقال الكلبي: يعيبك في أمر ما، ولا تفاوت بين هذه الروايات إلا في الألفاظ.
قال أبو علي الفارسي: هاهنا محذوف والتقدير: يعيبك في تفريق الصدقات.
قال مولانا العلامة الداعي إلى الله: لفظ القرآن وهو قوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات} لا يدل على أن ذلك اللمز كان لهذا السبب، إلا أن الروايات التي ذكرناها دلت أن سبب اللمز هو ذلك، ولولا هذه الروايات لكان يحتمل وجوهًا أخر سواها.
فأحدها: أن يقولوا أخذ الزكوات مطلقًا غير جائز، لأن انتزاع كسب الإنسان من يده غير جائز.
أقصى ما في الباب أن يقال: يأخذها ليصرفها إلى الفقراء إلا أن الجهال منهم كانوا يقولون إن الله تعالى أغنى الأغنياء، فوجب أن يكون هو المتكفل بمصالح عبيده الفقراء: فأما أن يأمرنا بذلك فهو غير معقول.
فهذا هو الذي حكاه الله تعالى عن بعض اليهود، وهو أنهم قالوا: {إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} وثانيها: أن يقولوا هب أنك تأخذ الزكوات إلا أن الذي تأخذه كثير، فوجب أن تقنع بأقل من ذلك.
وثالثها: أن يقولوا هب أنك تأخذ هذا الكثير إلا أنك تصرفه إلى غير مصرفه.
وهذا هو الذي دلت الأخبار على أن القوم أرادوه.
قال أهل المعاني: هذه الآية تدل على ركاكة أخلاق أولئك المنافقين ودناءة طباعهم، وذلك لأنه لشدة شرههم إلى أخذ الصدقات عابوا الرسول فنسبوه إلى الجور في القسمة، مع أنه كان أبعد خلق الله تعالى عن الميل إلى الدنيا.
قال الضحاك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بينهم ما آتاه الله من قليل المال وكثيره، وكان المؤمنون يرضون بما أعطوا ويحمدون الله عليه.
وأما المنافقون: فإن أعطوا كثيرًا فرحوا وإن أعطوا قليلًا سخطوا، وذلك يدل على أن رضاهم وسخطهم لطلب النصيب لا لأجل الدين.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفر الغنائم عليهم، فسخط المنافقون.
وقوله: {إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} كلمة {إِذَا} للمفاجأة، أي وإن لم يعطوا منها فاجؤا السخط. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات}
روي عن ابن كثير أنه قرأ {يَلْمِزُكَ} بضم الميم والباقون بالكسر؛ وهما لغتان ومعناهما واحد يقول: من المنافقين من يطعنك ويعيبك؛ ويقال: لمزته إذا عبته.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسمًا، إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله.
فقال: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أعْدِلْ» فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، أتأذن لي فأضرب عنقه؟ فقال: «دَعْهُ فَإنَّ لَهْ أصْحَابًا يَحْقِرُ أحَدْكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ يَمْرَقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ الْسَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ؛ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أسْوَدٌ إحْدَى ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْي المَرْأةِ البضعةِ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فرقةٍ مِنَ النَّاسِ» ويروى: «عَلَى حِينِ الفِتَنِ مِنَ النَّاس» فنزلت فيهم {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات} الآية.
قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول الله عليه السلام وأشهد أن عليًا حين قتلهم وأنا معه، أتى بالرجل بالنعت الذي نعته رسول الله عليه السلام وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من الصدقات، فقال أبو الخواص والنبي عليه السلام يعطي وروى بعضهم أبو الجواظ: ألا ترون إلى صاحبكم يقسم صدقتكم في رعاة الغنم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أبَا لَكَ، أمَا كَانَ مُوسَى رَاعِيًا؟ أمَا كَانَ داودُ رَاعِيًا» أما كان داود راعيًا؟ فذهب أبو الخواص، فقال النبي عليه السلام: «احْذِرُوا هذا وَأَصْحَابَهُ» فنزل: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمِنْهُمْ} يعني من المنافقين {مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات}.
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسمًا قال ابن عباس كانت غنائم هوازن يوم حنين جاء ابن ذي الخريصر التميمي وهو حرقوص بن زهير اصل الخوارج فقال: اعدل يارسول الله، فقال: «ويلك ومن يعدل أن لم أعدل».
فقال عمر: يارسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعه فأن له أصحابًا يحتقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر فلا يوجد فيه شيء، وقد سبق الفرث والدم، أشبههم برجل أسود في إحدى يديه، أو قال: أحدى ثدييه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على فترة من الناس»، وفي غير هذا الحديث: «وإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا اخرجوا فاقتلوهم». فنزل: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات} أي يعيبك في أمرها، ويطعن عليك فيها يقال: همزة لمزة.
قال الشاعر:
إذا لقيتُك عن شحط تكاشرني ** وإنْ تغيبتُ كنتَ الهامز اللمزة

وقال مجاهد: يهمزك: يطعنك، وقال عطاء: يغتابك، وقال الحسن والأعرج وأبو رجاء وسلام ويعقوب: يلمزُك بضم الميم، وروى عوف بن كثير يلمِزك بكسر الميم خفيفة {فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} وقرأ إياد بن لقيط: {ساخطون}.
قال ابن زيد: هؤلاء المنافقون قالوا: والله لا يعطيها محمد إلا من أحب ولا يؤثر بها إلاّ هواه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ...} الآية.
فيه قولان:
أحدهما: أنه ثعلبة بن حاطب كان يقول: إنما يعطي محمد من يشاء ويتكلم بالنفاق فإن أعطي رضي وإن منع سخط، فنزلت فيه الآية.
الثاني: ما روى الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسمًا إذ جاءه الخويصرة التميمي فقال: اعدْل يا رسول الله، فقال: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلْ إِن لَّمْ أَعْدِلْ»؟ فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، فقال: «دَعْهُ». فأنزل الله تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} الآية.
وفي معنى يلمزك ثلاثة أوجه:
أحدها: يروزك ويسألك، قاله مجاهد.
والثاني: يغتابك، قاله ابن قتيبة.
والثالث: يعيبك، قال رؤبة:
قاربت بين عَنَقي وحجزي ** في ظل عصري باطلي ولمزي

اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك} الآية.
الضمير في قوله: {ومنهم} عائد على المنافقين، وأسند الطبري إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: جاء ابن ذي الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسمًا فقال: اعدل يا محمد الحديث المشهور بطوله، وفيه قال أبو سعيد: فنزلت في ذلك {ومنهم من يلمزك في الصدقات}، وروى داود بن أبي عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصدقة فقسمها ووراءه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد: وهذه نزعة منافق، وكذلك روي من غير ما طريق أن الآية نزلت بسبب كلام المنافقين إذ لم يعطوا بحسب شطط آمالهم، و{يلمزك} معناه يعيبك ويأخذ منك في الغيبة ومنه قول الشاعر: [البسيط]
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة ** وأن أغيب فأنت الهامز اللمزة

ومنه قول رؤبة: [الرجز]
في ظل عصري باطلي ولمزي

والهمز أيضًا في نحو ذلك ومنه قوله تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة: 1] وقيل لبعض العرب: أتهمز الفأرة فقال: إنها تهمزها الهرة قال أبو علي: فجعل الأكل همزًا، وهذه استعارة كما استعار حسان بن ثابت الغرث في قوله: [الطويل]
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

تركيبًا على استعارة الأكل في الغيبة.
قال القاضي أبو محمد: ولم يجعل الأعرابي الهمز الأكل، وإنما أراد ضربها إياها بالناب والظفر، وقرأ جمهور الناس {يلمِزك} بكسر الميم، وقرأ ابن كثير فيما روى عنه حماد بن سلمة {يلمُزك} بضم الميم، وهي قراءة أهل مكة وقراءة الحسن وأبي رجاء وغيرهم، وقرأ الأعمش {يُلمّزك}، وروى أيضًا حماد بن سلمة عن ابن كثير {يلامزك}، وهي مفاعلة من واحد لأنه فعل لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.